مداخلة الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية بمجلس المستشارين في مناقشة مشروع القانون المالي للسنة المالية 2025 بلجنة المالية والتخطيط و التنمية الاقتصادية

admin
غير مصنف
admin21 نوفمبر 2024Last Update : 5 أشهر ago
مداخلة الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية بمجلس المستشارين في مناقشة مشروع القانون المالي للسنة المالية 2025 بلجنة المالية والتخطيط و التنمية الاقتصادية

مداخلة الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية بمجلس المستشارين
في مناقشة مشروع القانون المالي للسنة المالية 2025 بلجنة المالية
والتخطيط و التنمية الاقتصادية
بسم الله الرحمان الرحيم
السيد الرئيس المحترم،
السادة الوزراء المحترمين،
السيدات و السادة المستشارون المحترمون،
الحضور الكريم،
يسعدني أن أتناول الكلمة باسم الفريق الاشتراكي/ المعارضة الاتحادية بمجلس المستشارين في هذا الموعد الدستوري الهام المتعلق بمناقشة مشروع القانون المالي للسنة المالية 2025، متمنيا لأشغالنا التوفيق والسداد، ومعربا في نفس الوقت عن أملنا في أن تسفر مناقشاتنا عن إضافات نوعية تسهم في إغناء هذا المشروع بما يتناسب مع الموقع الدستوري لمجلسنا الموقر ومكوناته وروافده المتعددة، وبما يخدم أولا وأخيرا المصالح العليا لوطننا العزيز ويحقق التطلعات المشروعة لكل فئات وشرائح الشعب المغربي الأبي.
السيدات والسادة،
في البداية أود أن أن أهنئ السيدات والسادة الوزراء الجدد وكتاب الدولة الذين التحقوا بتشكيلة الحكومة في صيغتها الثانية بعد التعديل الأخير، وأتمنى لهم النجاح في المهام الموكولة إليهم، حتى يكونوا في مستوى الثقة الملكية الغالية وعند حسن ظن المواطنات والمواطنين.
وهذا لا يمنعنا من إبداء وجهة نظرنا في هذا التعديل الحكومي، الذي نعتبره تعديلا تقنيا محدوداً، مسَّ فقط الأشخاص، دون أن ينفذ الى صلب الاشكال الذي أثر على الأداء السياسي والتقني لعدد من القطاعات في صيغة الحكومة الأولى وبالتالي على التوجهات الأساسية التي تحكم عمل الحكومة.
لقد كان على السيد رئيس الحكومة، أن يجعل من منتصف الولاية الحكومية لحظة حقيقية مشحونة بنفس سياسي وإصلاحي قوي، ليبعث من خلالها بإشارات واضحة تحمل على الاطمئنان إلى أن الحكومة تتجاوب وتتفاعل مع الانتقادات الموضوعية والمشروعة للشعب المغربي الذي ما فتئ يعبر، عبر قنوات متعددة، عن امتعاضه واستيائه من حكومة ترفع، ظاهرياً، شعار الدولة الاجتماعية، لكنها تظل في الواقع حليفة للطبقات الميسورة على حساب الطبقة المتوسطة والفئات الفقيرة والمستضعفة.
السيد الرئيس، السيد الوزير، السيدات والسادة المستشارون المحترمون،
لا نريد أن نفوت هذه الفرصة دون أن نعبر، باسم الفرق الاشتراكي، عن اعتزازنا وتقديرنا للنتائج الطيبة التي تكللت بها زيارة الدولة التي قام بها فخامة الرئيس الفرنسي السيد إيمانويل ماكرون إلى بلادنا بدعوة كريمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله.
إن هذه الزيارة الهامة، التي توجت بالتوقيع على العديد من الاتفاقيات في مجالات التعاون المشترك ذات الأولوية، كما تميزت بتجديد الموقف الفرنسي الواضح والصريح من السيادة المغربية على صحرائنا بمقر البرلمان، تشكل بالفعل زيارة تاريخية، وتكرس استثنائية العلاقات الثنائية بين البلدين المبنية على قيم مشتركة وطيدة، وعلى التقدير والاحترام المتبادل.
إنها ليست كذلك وفقط، بل تجسد في عمقها الصورة الناصعة للدينامية الدولية المتنامية الداعمة للوحدة الترابية للمملكة المغربية ولمقترج الحكم الذاتي الذي تقدمت به المملكة كأساس جدي وحيد لإنهاء النزاع المفتعل حول مغربية الأقاليم الجنوبية.
غير أن هذه المكاسب والإنجازات الكبيرة، التي نراكمها في ملف وحدتنا الترابية بفضل القيادة الملكية الرشيدة، لا يجب أن تكون مدعاة للتراخي أو الاطمئنان الزائد، بل يتعين علينا جميعا مواصلة التعبئة وحشد كل طاقاتنا وإمكانياتنا، وأن نظل يقظين ومتحدين ومستعدين دوما لإحباط وإفشال المخططات والمؤامرات الدنيئة التي لا تزال تحاك ضد الوحدة الترابية المغربية والتي كان آخرها محاولة يائسة لإحياء مقترح وُلِد ميتاً، وتم إقباره في حينه، ويتعلق بمخطط التقسيم البائد.
وفي هذا الإطار، نثمن عاليا مضامين الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء، حيث وجه جلالة الملك محمد السادس حفظه الله رسائل قوية إلى كل خصوم الوحدة الترابية للمملكة ممن ينتمون إلى “عالم آخر منفصل عن الحقيقة ما زال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن”.
السيد الرئيس، السيد الوزير، زملائي الكرام،
إن مشروع القانون المالي لسنة 2025 الذي نشرع اليوم في مناقشته العامة يأتي في سياق وطني لا يزال في عمومه صعباً، سيما في ارتباطه باستمرار التداعيات السلبية لسنوات الجفاف العجاف التي أدت إلى إجهاد مائي غير مسبوق في المغرب يهددنا حتى في توفير الماء الصالح للشرب، فضلا عن ضمان ما يكفي من هذه المادة الحيوية في القطاعات الفلاحية والصناعية.
وإذا كانت التساقطات المطرية الأخيرة تبعث على التفاؤل بموسم جيد بمشيئة الله، فإن بلادنا مطالبة مع ذلك بمواصلة عزيمتها في تنزيل كل البرامج والمخططات ذات الصلة، ولا سيما تلك المتعلقة بالطرق السيارة للماء ومشاريع تحلية مياه البحر، وهي مشاريع، كما لا يخفى على أحد، تحظى بالعناية الملكية الكريمة والتتبع الشخصي لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، ولهذا السبب لنا اليقين التام بأننا سنربح الرهان إن شاء الله.
وفضلا عن الوضعية المائية، التي صارت عبئا بنيويا وهاجسا قديما متجددا، فإن ظرفية إعداد مشروع القانون المالي 2025 تتسم أيضا بعدم الوفاء بعدد من الالتزامات التي قطعتها الحكومة للمواطنين في المناطق المتضررة من زلزال الحوز الذي خلف مآسي إنسانية لا زالت صورها المؤسفة تتداولها وسائل الإعلام الوطنية، مما يطرح أكثر من علامة استفهام بل وتعجب من العجز الحكومي حيال هذه المناطق وهذه الساكنة الصبورة.
كما ينضاف إلى ذلك الحجم الكبير لانتظارات المواطنات والمواطنين بفعل الدعاية الزائدة التي تقوم بها الحكومة في إطار تسويق مشروع الدولة الاجتماعية دون أن تأخذ في الحسبان، بما يكفي، توفير الاعتمادات المالية اللازمة، وقد سبق لنا في مثل هذا الموعد، السنة الماضية، أن قمنا بواجب تنبيه الحكومة إلى ضرورة الاشتغال بجدية على موضوع استدامة تمويل برامج الدعم الاجتماعي.
السيدات والسادة المحترمون،
هذه بعض ملامح الظرفية الوطنية لتحضير مشروع القانون المالي الذي نحن بصدد مناقشته، وهي ظرفية يزداد ثقلها إذا استحضرنا السياق الدولي الذي لا يزال تحت ضغط التأثيرات السيئة لتفجر الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في فلسطين ولبنان اللتان تئنان تحت وطأة حرب ظالمة غير مسبوقة واعتداءات همجية وإبادة جماعية، وكذا استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وما تفرزه من تداعيات على السلم والاستقرار الدوليين وعلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية وتأثر سلاسل الإنتاج، مما يؤثر سلبا على اقتصاديات العالم بأسره ومنها الاقتصاد المغربي.
كل هذه المعطيات تفرض نفسها بإلحاح وقوة، ومع ذلك فإن الحكومة بنت مشروعها لمالية 2025 على توقعات وفرضيات غير واقعية وغارقة في تفاؤل مفرط، كما تسير عكس ما ورد في تقارير مؤسسات وطنية ودولية، إذ كيف سيتسنى لها في ضوء كل ما سبق أن تحقق نسبة نمو تبلغ 4.6 في المئة وتخفض التضخم إلى 2 في المئة وتراهن على إنتاج 70 مليون قنطار من القمح خلال الموسم الفلاحي الحالي؟؟
إننا نفضل أن تصارح الحكومة الشعب المغربي بالواقع كما هو، وبالمعطيات الحقيقية على أن تعتمد في خطابها وعملها على مؤشرات غير واقعية تسهم في خلق آمال زائفة من شأنها تغذية التوترات والاحتجاجات التي تمس بالاستقرار والسلم الاجتماعي.
السيد الرئيس، السيد الوزير، الحضور الكريم،
إننا لسنا عدميين ولن ننكر للحكومة ما تقوم به من جهود وما تأتي به من اقتراحات عملية إيجابية ومنها ما هو مدرج ضمن مضامين مشروع القانون المالي الذي نحن بصدده، وتتلخص أهدافه المعلنة في تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية وتشجيع دينامية الاستثمار العام والخاص مع الحفاظ على التوازن المالي والاقتصادي.
لقد جاء هذ المشروع حاملا لعدد من الإجراءات والإصلاحات في مجالات مختلفة، ففي الجانب الضريبي يطمح إلى تحسين الإيرادات الجبائية من خلال توسيع الوعاء الضريبي ومحاربة التهرب الضريبي، واعتماد إصلاحات تخص الضرائب غير المباشرة والرسوم الجمركية، مما سيؤدي، وفق المشروع، إلى زيادة متوقعة في الموارد العامة وإيرادات الضرائب المباشرة وغير المباشرة بنسبة 4% مقارنة بسنة 2024، مع استمرار فرض رسوم جمركية على واردات معينة وتخفيف الرسوم على بعض المنتجات مثل اللحوم المستوردة والأدوية.
فالمشروع يتضمن مجموعة من المستجدات التي تهدف إلى تحسين العدالة الضريبية وتقليل العبء على الفئات المتوسطة وذات الدخول المنخفضة، من خلال إقرار تعديلات بسيطة على جدول حساب الضريبة على الدخل.
كما يشمل إجراءات تهدف إلى توسيع الوعاء الضريبي من خلال إدماج بعض الأنشطة الاقتصادية الموازية ضمن النظام الضريبي، مع تحسين آليات المراقبة الجبائية وتقليل فرص التهرب والتملص الضريبيين.
وعلى مستوى الحماية الاجتماعية يهدف المشروع إلى توسيع نظام الحماية الاجتماعية ليشمل فئات جديدة من المواطنين، وتطوير برامج الدعم للفئات الهشة، وهو ما يستلزم تخصيص اعتمادات تصل إلى 30% من الميزانية العامة لبرامج الحماية الاجتماعية.
أما على مستوى تشجيع الاستثمارات فنسجل بإيجابية الزيادة المتوقعة في الاستثمارات في البنية التحتية بنسبة 10% مقارنة بسنة 2024، مع التركيز على مشاريع النقل والطاقة المتجددة بهدف تعزيز الاستقلال الطاقي للمغرب وتقليل الانبعاثات الكربونية.
فالحكومة، من خلال مشروعها للقانون المالي، تتوقع زيادة بنسبة 15% في الاستثمارات المخصصة لمشاريع الطاقة المتجددة مقارنة بالسنة الماضية، وخفض انبعاثات الكربون بنسبة 5% بحلول عام 2025 بفضل تعزيز استخدام الطاقات النظيفة.
كما يتضمن المشروع إجراءات لدعم الاقتصاد الوطني من خلال تسهيلات للمستثمرين وتبسيط الإجراءات الإدارية، ولا سيما مراجعة وإعادة هيكلة معدلات الضريبة على الشركات بهدف تحسين العدالة الضريبية، وتشجيع الاستثمار، وضمان التوازن بين الموارد المالية للدولة ومتطلبات النمو الاقتصادي.
ونعتقد أن الحكومة تسعى، بهذه المستجدات الضريبية، إلى تقليل العبء الضريبي على الشركات الصغيرة والمتوسطة، بغية تشجيعها ودعم أدوارها المطلوبة في تنشيط الاقتصاد الوطني.
كما أقر المشروع من جهة أخرى إعفاءات ضريبية لمدة خمس سنوات لتحفيز الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية مثل الصناعة والطاقة المتجددة.
السيد الرئيس، السيد الوزير،
إننا في الوقت الذي آثرنا فيه أن نلمح إلى بعض الأمور الإيجابية التي تستحق منا التنويه والتقدير، فإن موقعنا في المعارضة وما تمليه علينا واجباتنا الدستورية والتزاماتنا السياسية وتعاقداتنا المجتمعية، يفرض علينا في نفس الوقت أن ننبه الحكومة إلى عدد من الاختلالات وأوجه القصور التي تكتنف عملها والتحديات التي تظل ماثلة أمام برامجها وخططها ومشاريعها، ومنها هذا المشروع الذي نناقشه اليوم والذي يرهن مستقبل بلادنا لسنة كاملة في مختلف الميادين.
إن ما نود أن نسجله اليوم قلناه في مناسبات سابقة، مثلما أكده الفرقاء السياسيون والنقابيون الآخرون في مجلسنا الموقر وداخل مجلس النواب وفي باقي المؤسسات الدستورية، وسنظل نكرر هذا الكلام لعل الحكومة تنتبه، وتتحلى بما يكفي من اليقظة والاستعداد للقيام بالمراجعات المطلوبة كلما تطلبتها الظروف وتوفرت شروطها الضرورية.
وفي هذا الصدد نريد التركيز على ما يلي:
من الواضح أن مشروع قانون المالية يعكس التحديات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة، كما يظهر عليه بشكل جلي هاجس السعي لتحقيق التوازن بين الإنفاق الاجتماعي والاقتصادي والتحكم في الاستدانة، غير أنه يبدو أن التحديات الهيكلية المعروفة مثل ضعف النمو وارتفاع التضخم وزيادة الدين العمومي، تجعل من الصعب تحقيق الأهداف المعلنة للمشروع.
ولا شك أن فشل الحكومة في ذلك، سيجعل بلادنا، لا قدر الله، في مواجهة أزمات اقتصادية واجتماعية أكبر في المستقبل، مما يفرض الحاجة إلى إعادة تقييم سياساتها المالية والنقدية. 
إن على الحكومة أن تستحضر جيدا التداعيات الخطيرة التي ينطوي عليها اللجوء المفرط إلى الاقتراض لتمويل المشاريع الكبرى، إذ من المحقق أن ذلك سيسهم في ارتفاع العجز المالي الذي سيصل سنة 2025 إلى 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي،كما سيصل الدين العام إلى 75% من الناتج المحلي الإجمالي حسب مشروع القانون المالي لسنة 2025.
وفي هذا الإطار نؤكد أن اللجوء إلى السوق المالية الدولية، بقدر ما يؤشر على نوع من الثقة في المستقبل وما يعكسه من تثمين للسمعة الدولية الطيبة لبلدنا، بقدر ما يشكل الإفراط في اعتماد هذا النهج مغامرة غير محسوبة العواقب خاصة بالنسبة للأجيال المقبلة.
إن تخطيط مشروع القانون المالي الحالي لاقتراض ما لا يقل عن 125 مليار درهم لتغطية نفقات الدولة سيجعل بلادنا في موقف صعب، وسيزيد من أعباء خدمة الدين التي تستهلك جزء كبيرا من الميزانية. (أكثر من 62 مليار درهم هي نفقات استهلاك الدين برسم الميزانية المقبلة).
إن المشروع يفتقر إلى رؤية طويلة الأمد، ولا يأخذ في الحسبان عددا من التحولات الهيكلية التي تعرفها بلادنا، بحيث إن النموذج الاقتصادي الذي تستلهم منه الحكومة سياساتها العامة والقطاعية، لا يزال يعتمد بشكل كبير على القطاعات التقليدية التي تتميز بهشاشتها في مواجهة الصدمات الخارجية مثل الفلاحة والسياحة.
بكلمة واحدة نقول ونكرر، إن المشروع يكرس غياب إصلاحات جذرية قادرة على إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني بشكل عميق لجعله أكثر صلابة وتنوعا.
وقد يقول قائل إن هذا الكلام لا يصمد أمام التطور الكبير الذي تعرفه قطاعات أخرى كصناعة السيارات وصناعة الطيران والطاقات المتجددة وغيرها، لكن الحقيقة التي لا يختلف حولها اثنان هي أن مجرد تراجع واردات السياحة وسنة فلاحية ضعيفة أو حتى متوسطة تؤثر بشكل ملموس على المعدل العام للنمو الاقتصادي ببلادنا.
إن ما جاء به المشروع من التزامات كبيرة تخص الإنفاق الاجتماعي، مثل مواصلة تعميم الحماية الاجتماعية والرفع من الاستثمارات في التعليم والصحة والبنية التحتية تهدد بجعل التحكم في العجز المالي أمرا صعبا، ذلكم أن الحجم الكبير للنفقات العمومية المتوقعة قد يؤدي إلى استفحال الدين العمومي ما لم يكن مشفوعا بإصلاحات ضريبية جذرية وإقرار حكامة جيدة لضمان نجاعة وفعالية تدبير الموارد العمومية، وبالموازاة مع ذلك نهج سياسة حقيقية في مجال محاربة الرشوة وهدر الإمكانات المالية العمومية ومختلف أشكال الفساد المالي.
ونذكركم، السيد الوزير المحترم، أن الفريق الاشتراكي شدد بنفس المناسبة خلال السنة الماضية، وبعلاقة مع نفس الموضوع، على أهمية تحلي الحكومة بمزيد من الإبداع والابتكار من أجل خلق هوامش مالية إضافية لاستدامة تمويل برامج مشروع الدولة الاجتماعية.
نسجل في نفس السياق غياب آليات صارمة لمكافحة التهرب الضريبي وانكماش بين في الإرادة السياسية لإجراء إصلاحات جذرية في النظام الضريبي.
صحيح أننا سجلنا فيما سبق، وبإيجابية كذلك، بعض الإصلاحات التي جاء بها المشروع، غير أن ذلك يبقى غير كاف لتبديد الصورة السيئة لنظامنا الضريبي، حيث تظل الطبقة المتوسطة والشركات المتوسطة والصغيرة هي التي تتحمل القدر الأكبر من العبء الضريبي.
إن مواصلة الاعتماد على الشراكات بين القطاع العام والقطاع الخاص لتمويل المشاريع الكبرى يبقى نهجا سليما لتخفيف العبء على المالية العامة وتحقيق الفعالية والنجاعة في إنجاز المشاريع، غير أنه لا يخلو من مخاطر عالية وجب معها التنبيه إلى ضرورة إجراء الحكومة لتقييم شامل لهذه الآلية لاستجلاء أكبر لإيجابياتها وسلبياتها.
إن هذه السياسة لا يمكن أن تحقق الأهداف المرجوة منها إذا لم تكن مقرونة بإجراءات عملية لتعزيز الموارد المالية وتطوير الكفاءات الوطنية وغيرها من التدابير الكفيلة بضمان نمو أكثر شمولا واستدامة.
نسجل أيضا محدودية النتائج المحققة على مستوى تجسيد التزام بلادنا بتحقيق الانتقال الطاقي، فالجهود المبذولة في هذا المجال لا ترقى إلى المستوى المطلوب لمواجهة التحديات المطروحة أمامنا.
والمؤكد أن الاستثمارات الجارية في ميدان الطاقات المتجددة، والتي تحظى في الواقع بدعم وتشجيع كبيرين، لا تصاحبها سياسة أكثر طموحا وجرأة لتقليل انبعاثات الكربون في قطاعات أخرى مثل الصناعة والنقل، كما تبقى التدابير التحفيزية لاستهلاك أكثر استدامة في هذا المجال جد محدودة.
 وأخيرا ننبه إلى أنه، ورغم إدراج بعض القطاعات لمقاربة النوع الاجتماعي، فإن الإطار العام لوضع الميزانية قد أغفل الأوضاع الاجتماعية والمهنية والأسرية للنساء التي تستدعي دعما يوازي الأدوار التي يضطلعن بها.
إن الفريق الاشتراكي يتبنى، في هذا الإطار، كل المواقف والمطالب الداعية إلى إدماج مقاربة النوع الاجتماعي عند إقرار قانون المالية والميزانيات القطاعية، تطبيقا لأحكام الدستور ولمقتضيات القانون التنظيمي لقانون المالية، فلا شك أن ترجمة سياسة المساواة بين الجنسين إلى تدابير مالية وفي الميزانية تجد سندها في أحكام الدستور، كما تستند إلى مرجعية اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي صادقت عليها بلادنا.
كما أن التقارير الرسمية المختلفة تشير إلى أن النساء يُعتبرن ضحايا لقوانين المالية المتعاقبة التي لا تراعي الفجوات بين الجنسين في كافة الحقوق، وعلى جميع المستويات وفي كل القطاعات.
السيد الرئيس، السيد الوزير، الحضور الكريم،
على الرغم من المجهودات التي يبدو أن الحكومة تقوم بها في عدة مجالات، فإن التقارير الوطنية والدولية تكشف من حين لآخر عن صورة مقلقة خاصة في الجوانب المرتبطة بتفاقم ظاهرة البطالة وتدهور القدرة الشرائية للأسر المغربية.
فكما تعلمون، ووفقا لأرقام المندوبية السامية للتخطيط، فقد ارتفع معدل البطالة من 11.8% في 2022 إلى 13% في 2023، ليصل إلى 13.6% في الربع الثالث من عام 2024 بعد إضافة 58 ألف عاطل عن العمل.
وبدون الاسهاب في استعراض الفوارق بين المناطق والفئات العمرية المعنية بهذه الآفة، أو سرد العوامل المعروفة لدى الجميع التي أدت إلى هذا المد التصاعدي، فإنه يجب التفكير في كيفيات تغيير هذا الاتجاه، مما يتطلب الاستمرار في تنويع حقيقي ومنتج للاقتصاد، والعمل على مزيد من الملاءمة والتكييف بين التعليم والتكوين المهني مع الاحتياجات الحقيقية لسوق الشغل، فضلا عن تحفيز الاستثمار العمومي والخاص ودعم السياسات العمومية في التشغيل والتكوين وإعادة التكوين.
وإذا كانت ظاهرة البطالة المتفشية تعكس بجلاء محدودية الاقتصاد الوطني في خلق الثروة ومناصب الشغل، فإنها تنتصب في نفس الوقت عاملا قويا لتفسير التدهور المستمر للقدرة الشرائية للأسر المغربية التي اعتلت، بعد جنوب إفريقيا، قائمة الأسر الأعلى مديونية في إفريقيا بنسبة مديونية بلغت 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وذلك وفق تقرير صادر عن البنك الأوروبي للاستثمار تحت عنوان “مالية إفريقيا 2023”.
ووفقا لتقرير آخر حول الاستقرار المالي صادر عن بنك المغرب، فإن الأسر المغربية، خاصة تلك التي يتراوح دخلها الشهري بين 4 آلاف درهم و10 آلاف درهم، تتعرض لضغوط مادية متزايدة، ما يجعلها تلجأ أكثر إلى الاقتراض لتغطية نفقاتها الأساسية، مثل السكن والتعليم وتكاليف الرعاية الصحية.
ولا شك أن هذا التشخيص الذي لا نحتاج إلى تقارير أجنبية تحدثنا عنه إذ إنه واقع قائم، يسائِل بقوة الإجراءات والتدابير الحكومية المتعلقة بحماية القدرة الشرائية للأسر وتحصينها، بما فيها تلك المدرجة في مشروع القانون المالي للسنة المالية 2025.
ولئن سجلنا بإيجابية في فقرة سابقة من هذا التدخل التدابير المتخذة للتخفيف من العبء الذي تشكون منه الأسر المغربية، فإن ذلك لن يغير كثيرا من واقعها المر، أي محدودية قدراتها في الصمود أمام الأزمات الاقتصادية وعجزها المزمن عن الانفاق والاستهلاك وتلبية حاجياتها الأساسية.
ومن هذا المنطلق، نشدد على ضرورة نهج سياسات مالية أكثر شمولا في اتجاه تخفيض معدلات الفائدة لصالح الأسر ذات الدخل المحدود، وإيجاد بدائل تمويلية مناسبة وتعزيز قدرات المواطنين على الادخار في إطار ثقافة مالية إيجابية، فضلا عن مراجعة النظام الضريبي وجعله نظاما يحقق العدل والإنصاف ويأخذ بعين الاعتبار التفاوت بين الدخول والقدرة الشرائية للأسر.
السيد الرئيس، السيد الوزير،
إن الحكومة الحالية محظوظة حقا، لتزامن نصف ولايتها مع ظهور النتائج الأولية لعملية الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024 والتي كشفت عن حجم التحولات والتغيرات العميقة التي طالت المجتمع المغربي في السنوات العشر الأخيرة.
وإننا نتطلع إلى أن تتحلى الحكومة بما يكفي من الجدية والمثابرة للاشتغال على كل المعطيات التفصيلية والمؤشرات الكمية والكيفية العديدة لهذه العملية الوطنية، وذلك من أجل توظيفها في ترصيد المكتسبات وتقويم الاختلالات وإعادة توجيه السياسات العمومية والقطاعية بما يكفل للدولة قوتها وهيبتها، وللمجتمع سلامته وتلاحمه، وللاقتصاد عافيته وصموده، ولسائر المواطنين والأسر المغربية العيش في الحرية والكرامة والمساواة.

و السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

Short Link

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.